الشبهة الرابعة: التركيب، أي: أنه لا يتبعض ولا يتجزأ بل هو مركب، يقول ذلك أهل السنة والجماعة ، و المرجئة يقولون: ولأنه لو كان مركباً من قول وعمل لزال كله بزوال جزئه. قال الإمام ابن أبي العز: [وأما كونه يلزم من زوال جزئه زوال كله، فإن أريد أن الهيئة الاجتماعية لم تبق مجتمعة كما كانت فمسلم، ولكن لا يلزم من زوال بعضها زوال سائر الأجزاء فيزول عنه الكمال فقط] وهذا الكلام يحتاج إلى تفصيل، ولكن قبله لابد أن نعرف حقيقة شبهتهم، فهم يقولون: إنه في الهيئة الاجتماعية أو في الأشياء المركبة إذا زال جزؤها زال الاسم، مثل: العدد: عشرة، إذا زال منها واحد لم تعد عشرة، وأنتم تقولون: -أي: أهل السنة - إذا زال جزء من الإيمان فإن الباقي يسمى إيماناً، فيقولون: هذا الدليل العقلي يدل على بطلان مذهبكم، وذلك أن المركب إذا زال جزؤه زال كله، بمعنى: إذا الاسم انتفى فلا يسمى إيماناً، ويمثلون (بسكنجبين)، وقد استغرب منه الشيخ الشنقيطي رحمه الله في مذكرة أصول الفقه ، و ابن تيمية ، وهذه المادة وغيرها -مخلوطة- تتركب من مادتين، كأن يركب دواء من العسل ومن الليمون، فيصبح لا هو حلو ولا هو مر، فليس عسلاً وليس ليموناً.
والمقصود: أن هذا التركيب يجعله مادة أو شيئاً ثابتاً، لو زال المركب -أي: العسل- وما بقي إلا المادة الأخرى -الليمون- فلا يصح أن تطلق عليه الاسم، وكذلك لو أخذنا الآخر فلا يطلق عليهما الاسم إلا مجتمعين، وكلامه هذا صحيح، فإذا زال أحدهما، أي: ما تتكون منه الهيئة الاجتماعية، أو الشيء المجتمع، إذا زال أحدهما زال الاسم وانتفت الهيئة الاجتماعية كلها، وأصبح شيئاً آخر غير هذه الهيئة، وكما يقال: إن الماء مركب من أوكسجين وهيدروجين، فإذا أخذت عنصر الهيدروجين أو الأكسجين لم يعد الباقي ماءً، وبالتالي المركبات الكيميائية مثل الملح لو أخذنا عناصره لم يعد يسمى ملحاً.
والمقصود أن المرجئة يقولون: إنكم عندما تقولون: إن الإيمان مركب، ثم تقولون: إنه تزول بعض أجزائه ولا تزول هيئته، ويظل تتناقضون مع الحقيقة العقلية؛ لأن الأشياء -بالعقل والنظر- المركبة إذا ذهب جزؤها ذهب كلها، فيعني هذا: أن أهل السنة بين قولين: إما أن تقولوا بقول الخوارج وهو: ما دام أن الشيء المركب إذا ذهب جزؤه فقد ذهب كله، فكذلك أن الإيمان مركب، فالذي ترك واجباً من الواجبات يكون كافراً؛ لأن الإيمان قد ذهب كله! أو تقولون كقولنا نحن المرجئة وهو: أن الإيمان غير مركب، وهذه هي شبهتهم في التركيب، والرد عليهم أن يقال: إن المركبات على نوعين -ومن أراد مرجعاً في هذا ففي الإيمان الأوسط لشيخ الإسلام ابن تيمية-: (منها ما يكون التركيب شرطاً في الاسم) فلا يطلق على أحد الأجزاء الاسم، مثل: الليمون لا نسميه: زنجبيل، وإنما نسمي مجموعهم (ومنها ما لا يكون التركيب شرطاً فيه) بل يسمى كل جزء من أجزائه باسم الكل، مثل: الآية من القرآن تسمى قرآناً، والسورة تسمى قرآناً والمصحف كله يسمى قرآناً، والقرآن مركب من هذه السور ومن هذه الآيات، ومثل: البحر، الجبل، الماء، الأرض، التراب وغيرها، فالقليل منها يسمى بحراً، أو تراباً، أو جبلاً.. وزوال شيء منه لا ينفي الاسم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.